Hi, it’s me
again,back!
طوال عمرها
كانت تسير في الشوارع ..تتنقل من مقلب زبالة لمقلب آخر.. تتلصص خلف أبواب المطاعم
بحثا عن فتات الطعام .. أي فتات تستقوى به على البقاء .. مجرد البقاء ..تجري
بشراسة لاطعام و حماية صغارها و هي تعرف أنها يوما ما ستتركهم .. لا مفر .
تجري بين
الشوارع الموحلة .. تتحصن بعلبة كارتون فارغة ملقاة على الطرف الآخر من الشارع..
تحاول العبور .. تنهكها الأمطار و تصعقها لفحات الهواء الباردة .. هي تريد
العبور.. تهب بالجري .. و لكن سرعان ما ترجع للوراء فزعة من صوت السيارة المسرعة
التي مرت كالبرق .. تنكمش على نفسها .. كادت أن تموت !!
هي تريد
العبور. تحاول من جديد .. و كلما نظرت للشارع الغارق في مياهه و ازدحامه و صخبة ..
و همت بالعبور .. تتراجع للخلف و تنكمش في خوف .. من البرد .. من فكرة الخطر !
هبت في لحظة
جنون دفعتها إليها طرقات الأمطار المنهمرة على جسدها النحيل الجربان .. و دون أن
تفكر .. انطلقت و جرت بسرعة ..في لمحة بصر مسروقة من الزمن .. و وجدت نفسها على
الطرف الآخر من الشارع .. و دلفت بسلاسة إلى داخل الكرتونة .. و تحصنت بها.. في
أوهامها بالدفء و الأمان ..
و أطلت
برأسها الصغير من فتحة صغيرة باحدى جوانب الصندوق .. لترى المياة المنهمرة تعكس
أضواء الشوارع الصاخبة و السيارات الهادرة .. لم تكن تتخيل أن يضفي المطر كل هذا
الجمال .. و كل هذا الرونق على تلك الشوارع البائسة العفنة !
هو نفسه
المطر.. و هي نفسها القطة .. لم تكن تدرك لذة هذه اللحظة و تحررها .. لم تكن تدرك
أن بإمكانها تذوقها و إدراكها لو كانت تعي تمام الوعي و الإدراك بلحظة عبورها
الشارع و مخاطرها !!
كم كانت
سعيدة و فرحه بنشوة جرأتها .. كانت فرحه .
مرت الأيام
.. ظلت قطة .. و لكنها أصبحت القطة الشجاعة المغامرة .. القطة التي احتفى بها
مجتمع القطط و جسدوا فيها طموحاتهم و أحلامهم و ما قد تصله القطط من أفق !!
مرت الأيام و
القطط تتحاكى و تتغنى .. و تثرثر و تندب
... و تنونو !
مرت الأيام
.. و نسيت القطط .. و تناست ..و نست !
لكن القطة لم
تنس.. ظلت تتمسك بذكرى نشوتها بشجاعتها .. حتى صدقتها .. و أصبحتها .. لكن ظلت
جميع القطط .. قطط .. تنظر إليها كقطة ضعيفة قدرها و حتميتها بؤس القطط .. و حياة
القطط !
ذات فجر مشرق
ارتمت القطة في أحضان نوره .. عقدت عزمها .. و أخذت قرارها .. رامية وراءها أشباح مجتمعها
من القطط .. و سخريتهم منها .. و تحقيرهم لها ..و تآمرهم ضدها .. و خيانتهم ..
تعرف أنها
قطة .. و لكنها نوع آخر من القطط .. يحلم و يحلم و يفرح .. دون أن يخاف .. دون أن
يخاف و قَطْ.
رأته طويلا
ضخما هائلا .. كانت تعرف أنها قد لا تستطيع عبوره و الوصول لنهايته .. ذلك الكوبري
الطويل .. ذلك الكوبري الذي لم يكن مسموحا أو موجودا في العالم الذي جاءت منه ..
في عالم القطط التي أعتادت و أدمنت التنقل و العيش أسفل عوايده الشاهقة .. تلعق
لاهثة شاكرة ما يلقى أسفل عواميده من فضلات .. حتى أنهم ما كانوا يستطيعون ابصاره
!!
لقدت عقدت
عزمها و ما كان لقط على وجه الأرض أن يثنيها عن حلمها .. قررت صعود الكوبري ..
الطويل الشاهق البعيد .. سارت على رصيف الكوبري الوحيد و هي تشق قلب السماء تعانق
السحاب و أشعة الشمس البازغة تلمع في حدقتيها .. و تجعل من جسدها الضئيل الأجرب
ذهبا .. سارت في فخر و عزة .. و فرحه .. و حماسة .. هي تدرك أنها قد لا تستطيع
بلوغ نهاية الكوبري .. و لكنها كانت القطة التي سارت فوق الكوبري .
يوما آخر
أشرق .. القطة مجرد جثة مدهوسة تحت عجلات
السيارات المسرعة الغافلة .. فوق الكوبري.
ماتت القطة
.. فوق الكوبري ..
و عاشت القطط .. كقطط .. تحت الكوبري .
و ظلت هي
القطة التي سارت فوق الكوبري .. و ماتت.
No comments:
Post a Comment