Thursday, September 29, 2011

لحظة صدق !!

Hi, it’s me again,back!


المسافة طويلة .. طويلة جدا .. و الطريق مزدحم .. تقود سيارتها و لا تريد أن تتوقف .. رغم الإشارات .. رغم الازدحام .. تناور و تعارك لمجرد السير .. هي لا تريد التوقف .

تريد أن تبتعد عن مكان عملها و تصل لبيتها قبل أن يصل الجميع .

مرت مسرعة من أمام جامعتها , لا تريد التوقف , لا تريد أن تراهم على باب الجامعة , طلاب و طالبات , بأقلامهم و أوراقهم و كتبهم , بمزحاتهم و ضحكاتهم , بأحلامهم و فرصهم و أملهم , بيفعهم و شبابهم .

يوما ما كانت مثلهم .. يوما ما كانت أبيّة .. تخط الخطوط عريضة و واضحة .. و تقر الألوان صريحة صارخة .. دون تردد أو خوف .. لا تخشى اللوم و لا تحسب حسبان لرد الفعل .. يوما ما كانت تملك جرأة الفعل .

هي الآن توافق .. تمرر و تعدي .. تهاود .. و تتغاضى .. لتستمر لمجرد الاستمرار .

تراهم و تدرك أن عمراَ قد مر .. و روحا قد خمدت . تدير أغنية سريعة صاخبة متهكمة غاضبة .. تغلق زجاج سيارتها و تغني بروحها .. تغني و تنغمس في كلمات الأغنية و ألحانها العبثية .. تغني و تصرخ .. تذرف دموعها .. و تتمرد.

- اعقلي و استهدي بالله

- مش قادرة . دول شوية حمير و حرامية .. مش فاهمين أي حاجه . و ازاي يكلمني بالشكل ده ..كان بيزعق و يشاورلي بسبابته كأني باشتغل عند أبوه !!

عالم فاشلة ..يلعن أبو اللي قعدهم عالكرسي .. ملعون أبو الشركة اللي يبقى ده رئيسها .. عالبلد اللي واكلينها ..ده آخره يدير زريبة!!

- بس اسكتي .. لا حد يكون سامعك .. بلاش تغلطي .. هو انتي يعني اللي فاهمه كل حاجه و كل الناس بهايم .. دي ناس ممشية الشغل من قبل ما تتولدي .

- هو عشان كان ماشي يبقى كان صح !!! ( قالتها صارخه ) , كل حاجه ماشية غلط !!

يا ماما أنا تعبت . كل حاجه ماشية غلط !! غلط X غلط !

- مش انتي االي هاتصلّحي الدنيا .. و مش هاتقدري تمشّي الكون على مزاجك .. اهدي .

هو حد لاقي شغل دلوقتي .. دا اللي في ايده شغل و بالمرتب ده يمسك فيه بايده و سنانه . اهدي كده و ماتفرجيش الدنيا عليكي !

- (تغمض عينيها و تتنهد بمراره) ..أنا اتفقت مع باص المدرسة ينزِّل ندى و هاني عندك يا ماما . ياريت تخليهم عندك كام يوم .. لو مش عايزة هأفوت أخدهم و أنا راجعه .

- أنت ناوية على ايه .. مش عاجباني اليومين دول .. مافيش حاجه عاجباكي .. اشمعنى انتي .. لا عاجبك شغلك و لا جوزك و لا البلد بحالها !! ارضي بحالك و اخزي الشيطان و ماتِهدّيش البيت .. ماتبهدليش عيالك عشان زوبعة في فنجان !

- مش قادرة اصدّق ان ده الراجل اللي اختارته .. و عايشه معاه .

- فوقي بقى من الأوهام اللي انتي فيها.. الراجل ده يبقى جوزك و أبو ولادك . اخزي الشيطان و ماتضيّعيش كل حاجه عشان شوية دلع ولّا شوية زعل.

كتمت احباطها الغاضب من موقف والدتها و آثرت انهاء المكالمة سريعا متعللة بما وراءها من أعمال . فلا جدوى لشيء . لا أحد يفهمها . لا أحد يستطيع . لا أحد يريد .

أغلقت هاتفها .

ظلت مكالمة أمها الأخيرة تشوِّش على موجتها .. تقاطعها .. و تسطو عليها . كانت عقابها المُستحق على محاولة البوح و الفضفضة المبتسرة .

قلقت .. اضطربت .. و خافت .

ماذا عن ..؟؟ ماذا لو ..؟؟ ممكن فعلا .. ؟؟

آثرت آلام انفعالات اللحظية على ندم دائم .. قهر خامد على خسارة فائرة .. صراخها هي على نهرات الآخرين .. هدة الحزن على قسوة اللوم .. استمرار واهم على سقطة واحدة !!

و تستمر في السير .. و تستمر في الهروب .

تدرك أنها في رحلة هروب .. تتحصن بالأكذوبة و تدفع نفسها لتصديقها و قبولها .. حتى لا تواجه الحقيقة .. حقيقة كرهها لهم .. حقيقة احتقارها لنفسها لأنها أصبحت جزء منهم .. من المنظومة .. حقيقة أنها لا تقوَ على المواجهه .. لا تحسن الاختيار.. لا تستحق الأفضل و ليست مؤهله له !

تهرب من لحظة صدق .. بل تهرب من حقيقة أنها أصبحت لا تقوَ على لحظة الصدق!

و تتابع السير.



لحظة صدق تعترف فيها أنها تستحق ما هو أفضل .. أفضل يستحق النضال .. لحظة صدق تواجه فيها عيوبها و أخطاءها .. تواجه فيها كل قصورها و واقعها بكل ما به من قبح و عوار .. لحظة تنتصر فيها لنفسها .. تتمرد و تعصف بسنوات الصبر.. تعلن فيها عن مشاعرها و تواجههم بكرهها و احتقارها لهم.. تعلن لهم عن رفضها.. و تحطم أبواب التفاوض و الهينة و التسامح و التنازل و تهدم أكذوبة الأمر الواقع .. و تدفع الثمن .

No comments:

Post a Comment