Hi, it's me again, back!
أدلف في سيارتي مسرعا ,
فقد تأخرت بما يكفي لأن أسرق العشر دقائق اليومية , متعتي وخصوصيتي التي طلعت بها
من الدنيا , قهوة لاتية لأنها يجب أن تكون خفيفة لأنها قهوة الإفطار, وأطلب جرعة إضافية
من الاسبرسسو .. لأني أعرف أن اللاتيه لا ترقى للقهوة التي تشبع حواسي , قهوة
أتحكم بها وأقررها كما أريد.
أسارع في القيادة لتدارك
التأخير عابرا بعلب الكبريت الشاهقة , مستطيلة وقبيحة , لا ألمح منها سوى ما تمده
في وجهي من ألسنة التكييف , وأشباح بلكونات فقدت جميع ملامح الحياة ولون الوجود. أتوقف
قهرا في إشارات المرور, أسارع بغلق نوافذ السيارة حتى أستمتع بهوائي الخاص وترددي
الخاص من الأثير, وحتى أتخلص من تلزج الشحاذين والمشردين الصغارعلى سيارتي,
وأيديهم البائسة وهي تخترق عالمي.
أقضي وقتي في الإشارة
الجبرية , تندهني نداهة حلم الهجرة والطفشان من كل هذا الحطام ,أستفيق على حركتي
اللاإرادية في عدل شارة الثورة المصرية المدلاة من المراية الخلفية .. بعد أن أقوم
بعدل "الجرافَت" وتلميع نظارتي الراي بان , أنطلق عاصفا دخاني في شوارع
المدينة تاركا ملامحها الرتيبة كلها خلفي لا أرى سوي عداد تأخير الإمضاء ولمزات
توبيخ المدير.
أخلع جاكيت بدلتي وأرتبه
وراء الكرسي , كرسي مكتبي الذي كتبت عليه اسمي في إحدى ثناياه.
أتنفس نفسا عميقا وأطلب
الشاي من عم فاروق وأنا أكبس زر الباور حتى أستعين عالشقى بالله.
أفتح عيني لأجده ينظر لي
بابتسامة ماكرة عابثة كأنه يسخر مني ومن حالي .. أو ربما هكذا أرى ابتسامته, تلك
الابتسامة التي تفضحها لمعة مغوية , واثقة وصادقة , تشع من عينية , تسطع من بين
غابات وجهه الغائرة الماجنة , التي ما أظنها قد مرت يوما على أي نوع من طقوس
التهذيب أو التنميق . ذلك الشارب وتلك الذقن وكأنما كُتبا بإسمه وخُلقا لوصفه ,
أكاد أرى حياته عبر تموجات شعره الثائرة تنفر وتنطلق من البيريه الأسود وتتمرد
عليه, كما تمرد شاربه وذقنه على انضباط النمط العسكري أو حذلقة صورة رجل الدولة.
أكاد أشمها رائحة دخان
سيجاره الكوبي , وسخونته تصفع وجهي هازئة من ركود أمثالي واستكانتهم لقيود وظيفتهم
الرتيبة وحياتهم المملة.
حاولت مرارا الهروب من تلك
الأيقونة التي أراها تصرخ بوضوح الصدق وقوة الحقيقة , بصوت كل ما أحمل طبقات
مدفونة من الكراهية لكل ما أصبحت!
أعشق التحديق في زيه
الزيتي الذي لم أعهد له زيّا غيره, ولا أستطيع تصوره في سواه. قماشا خشنا على
استعداد دائم للمغامرة , للركض والهرب , لتسلق حائل أو مواجهة عدو ..في معركة بين
الأدغال أو فوق الأسطح , أو لغرس فأس في قلب الطين ينتزع نبض الأرض الذى لا يسمعه
سوى الكادحين , نبض الأرض الناضح بأنّات المتألمين. زيّ لا يستغرب لهيب وغبار
المصانع , يشيّد به أحلام الثورة والتغيير.
أيقونة رجل حلم , وصدق نفسه
وحلمه , غامر وخاطر , أصاب وأخطأ .. رجل يصنع
ما يريد. رجل من نوعية الرجال التي تصنع من سقوطها أساطير لن يصنعها أمثالي
بأوج نجاحاتهم.
أجده ينظر إليّ , تلمع
عينية خبثا .. ينفث ذخانه و بيتسم .. ويقولي صباح الخير يااا ---- , إزيك دلوقتي.
صباح النور يا عم تشي ..
أحسن منك , أرد عليه في نفسي بينما أرشف رشفة طويلة من الشاي وأنا أرجع بكامل ظهري
مستندا بملئ الكرسي محدقا به وبالمكتب.
تستمر المواجهة بيننا , كل
صباح , وفي كل مرة أفتح فيها سطح حاسوبي لأبدأ عمل كل يوم , وكالعادة أُسكِر نفسي
في دوامات الإلهاء .. أو ما أسميه حياة.
No comments:
Post a Comment